تطور الانسان
تطور الإنسان أو تطور البشر أو التطور البشري هو العملية التطورية التي أدت إلى ظهور الإنسان الحديث تشريحياً (الإنسان العاقل) كنوع فريد ضمن فصيلة القردة العليا (الهومينيد)، وذلك بدءاً من ظهور الرئيسيات، وعلى وجه الخصوص جنس الإنسان (الهومو). تضمنت هذه العملية التطور التدريجي لسمات مثل: المشي على قدمين واللغة، وكذلك التزاوج البيني مع غيرهم من أشباه البشر (الهومينين)، وهو ما يعني أن عملية تطور الإنسان لم تكن خطية وإنما كانت أشبه بشبكة.[1][2][3]
يدخل في دراسة التطور البشري عدة علوم أو تخصصات علمية مثل علم الإنسان وعلم الآثار وعلم الحفريات وعلم الأعصاب الحيوي وعلم سلوك الحيوان وعلم اللغة وعلم النفس التطوري وعلم الأجنة وعلم الوراثة.[4] وقد أثبتت الدراسات الوراثية أن الرئيسيات تفرعت من طائفة الثدييات قبل نحو 85 مليون سنة، وذلك في العصر الطباشيري المتأخر، وتظهر الحفريات المبكرة لها في العصر الباليوسيني، أي منذ نحو 55 مليون سنة.[5]
يتناول هذا الحقل من الدراسة أسئلة شائعة مثل:
- كيف لنا أن نعرف ما نعرفه في مجال تطور الإنسان؟
- كيف لنا أن نعرف ما إذا كانت هذه الفصيلة قد مشت على قدمين أم لا؟ وهل عاشت في مناطق مداريه أم استوائية؟
- كيف لنا أن نعرف التركيبة الاجتماعية لتلك المخلوقات المنقرضة؟
ما حدث في الماضي ترك لنا أدلة على وجوده وحياته. ووظيفة العلماء هي البحث عن هذه الأدلة وتحليلها وإعطائنا ما يقبله العقل والعلم. هذه الأدلة تاتي على عدة أوجه كأحافير عظام جماجم وغيرها كعظام الفكين الأسنان أو حتى الأقدام، وكذلك استكشاف ودراسة الأماكن التي عاش ومات فيها وما تركه من أدوات كان يستعملها في حياته اليومية ومصنوعات يدوية مثل الرماح والفؤوس، وحلي وملابس وخلافه.
التغييرات التشريحية[عدل]
يتميز التطور البشري منذ انفصاله الأول عن السلف المشترك الأخير للإنسان والشمبانزي بعدد من التغيرات المورفولوجية والنمائية والفسيولوجية والسلوكية والبيئية. واكتُشف التطور البيئي (الحضاري) في وقت لاحق خلال العصر الحديث الأقرب (البليستوسيني)، ولعب دورًا مهمًا في التطور البشري الذي لوحظ من خلال التحولات البشرية بين نظام الكفاف. وكانت أهم هذه التكيفات هي المشي على قدمين، وزيادة حجم المخ، وازدياد مدة تطور الجنين (الحمل والرضاعة)، وتراجع مثنوية الشكل الجنسية، والعلاقة بين هذه التغييرات هي موضوع نقاش مستمر. وقد تطورت قوة القبضة ودقتها، وهو تغيير حدث لأول مرة عند الإنسان المنتصب.[6]
ثنائيات الحركة (السير على قدمين)[عدل]
السير على قدمين هو التكيف الأساسي لأسلاف الإنسان ويعتبر السبب الرئيسي وراء مجموعة من التغييرات الهيكلية التي تتقاسمها جميع البشرانيات ثنائيات الحركة. اعتبرت البشراناويات المبكرة التي يحتمل أنها ثنائيات الحركة بشكل بدائي، إما أناسي الساحل التشادي أو أورورين، وكلاهما نشأ منذ نحو 6 حتى 7 ملايين سنة. تباعد السائرون على مفاصل اليد مثل الغوريلا والشمبانزي، عن خط البشراناويات على مدى فترة تغطي نفس الوقت السابق، لذلك قد يكون إما أناسي الساحل التشادي أو أورورين آخر أسلافنا المشتركة. وقد نشأ قرد الأرض، وهو ثنائي الحركة بشكل كامل، منذ نحو 5.6 مليون سنة.[7]
في نهاية المطاف تطورت ثنائيات الحركة المبكرة إلى قردة جنوبية ولاحقًا إلى جنس هومو. وهناك العديد من النظريات حول قيمة التكيف لثنائيات الحركة. من المحتمل أن المشي على قدمين كان مفضلًا لأنه حرر اليدين للوصول إلى الطعام وحمله، وتوفير الطاقة أثناء الحركة، ومكّن من الركض لمسافات طويلة والصيد، ووفر مجالًا معززًا للرؤية، وساعد في تجنب ارتفاع الحرارة عن طريق تقليل مساحة السطح الذي يتعرض لأشعة الشمس المباشرة، مبرزًا كل الفوائد للازدهار في السافانا الجديدة وبيئة الغابات التي نشأت نتيجة لارتفاع وادي صدع شرق أفريقيا مقابل موطن الغابات المغلق السابق.[8] وتقدم دراسة عام 2007 دعمًا لفرضية أن المشي على قدمين، أو ثنائية الحركة، قد تطور لأنه يستخدم طاقة أقل من المشي الرباعي على مفاصل اليد. ومع ذلك، تشير الدراسات الحديثة إلى أن المشي على قدمين دون القدرة على استخدام النار لم يكن ليتيح الانتشار العالمي. وشهد هذا التغيير في المشية إطالة الساقين بشكل متناسب بالمقارنة مع طول الذراعين، اللتين قصرتا مع إلغاء الحاجة إلى التحرك التعلقي. وطرأ تغيير أخر على شكل إصبع القدم الكبير، إذ تشير الدراسات الحديثة إلى أن القردة الجنوبية لا تزال تعيش جزءًا من الوقت في الأشجار نتيجة للحفاظ على قبضة إصبع القدم الكبير. وجرى فقدان هذا بشكل تدريجي عند الإنسان الماهر.[9]
من الناحية التشريحية، ترافق تطور المشي على قدمين مع عدد كبير من التغييرات الهيكلية، ليس فقط في الساقين والحوض، ولكن أيضًا في العمود الفقري والقدمين والكاحلين والجمجمة. تطور عظم الفخذ إلى وضع زاوية أكثر قليلًا لتحريك مركز الثقل باتجاه المركز الهندسي للجسم. وأصبحت مفاصل الركبة والكاحل قوية بشكل متزايد لدعم زيادة الوزن بشكل أفضل. ولدعم الوزن المتزايد على كل فقرة في الوضع المستقيم، أصبح العمود الفقري البشري على شكل حرف إس (S) وأصبحت الفقرات القطنية أقصر وأوسع. أما في القدمين، يتحرك إصبع القدم الكبير بنسق مع أصابع القدم الأخرى للمساعدة على الحركة إلى الأمام. وقصر الذراعان والساعدان بالنسبة إلى الساقين، ما يسهل الركض. هاجرت الثقبة العظمى تحت الجمجمة وإلى الأمام أكثر.[10]
حدثت التغييرات الأكثر أهمية في منطقة الحوض، حيث قصر النصل الحرقفي الطويل المواجه للأسفل وتوسع كشرط للحفاظ على مركز الثقل مستقرًا أثناء المشي؛ فأصبح حوض الإنسان ثنائي الحركة كشكل الوعاء أقصر ولكن أعرض بسبب ذلك. لكن الخلل أن قناة الولادة للبشرانيات وأشباهها ثنائيات الحركة أصبحت أصغر مما هي عليه في البشرانيات التي تسير على مفاصل الأصابع، وعلى الرغم من اتساعها مقارنة بقناة الولادة للقردة الجنوبية والإنسان الحديث، ما يسمح بولادة الأطفال بسبب الزيادة في حجم الجمجمة، ولكن هذا يقتصر على الجزء العلوي، لأن الزيادة الإضافية يمكن أن تعوق الحركة الطبيعية على قدمين.[11]
تطور قصر الحوض وقناة الولادة الأصغر كانا شرطًا للمشي على قدمين، وكان لهما آثار كبيرة على عملية الولادة البشرية التي تعد أكثر صعوبة عند البشر المعاصرين بالنسبة للرئيسيات الأخرى. أثناء الولادة البشرية، وبسبب الاختلاف في حجم منطقة الحوض، يجب أن يكون رأس الجنين في وضع عرضي (مقارنة بالأم) أثناء الدخول إلى قناة الولادة ويدور نحو 90 درجة عند الخروج. فأصبحت قناة الولادة الأصغر عاملًا مقيدًا لزيادة حجم المخ في البشر الأوائل ودفعت نحو فترة حمل أقصر، ما أدى إلى عدم النضج النسبي للذرية البشرية، الذين لا يستطيعون المشي قبل 12 شهرًا بكثير ولديهم قدر أكبر من استدامة المرحلة اليرقية، مقارنة بالرئيسيات الأخرى، الذين يتنقلون في سن مبكرة جدًا. وكان للنمو الدماغي المتزايد بعد الولادة واعتماد الأطفال المتزايد على الأمهات تأثير كبير على الدورة الإنجابية للإناث، والمظهر الأكثر تواترًا للرعاية غير الوالدية عند البشر مقارنة بالبشراناويات الأخرى. وأدى النضج الجنسي المتأخر للإنسان إلى تطور سن اليأس، مع تفسير واحد ينص على أن النساء المسنات يمكن أن ينقلن جيناتهن بشكل أفضل من خلال رعاية نسل بناتهن، مقارنة بإنجاب المزيد من الأطفال.[12]
تعليقات
إرسال تعليق